تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

كلمة السيدة كارلا كينتانا، رئيسة المؤسسة المستقلة ضمن فعاليات جلسة نقاشية نظمت من قبل اللجنة الفرعية المعنية بحقوق الإنسان التابعة للبرلمان الأوروبي حول موضوع سوريا: تبادل آراء حول الحقيقة والعدالة والمساءلة

 

28 كانون الثاني/ يناير 2025 - بروكسل، بلجيكا

صباح الخير،

إنه لشرف كبير لي أن أقف أمام اللجنة الفرعية لحقوق الإنسان التابعة للبرلمان الأوروبي لمناقشة الوضع الحالي في سوريا.

المؤسسة المستقلة المعنية بالمفقودين في سوريا هي هيئة إنسانية أنشئت بفضل الجهود الدؤوبة التي بذلتها عائلات المفقودين والمجتمع المدني والمجتمع الدولي. وتتمثل مهمتها في الكشف عن مصير ومكان وجود آلاف الاشخاص الذين لا يزال مصيرهم مجهولا، مع تقديم الدعم لعائلاتهم إضافة الى الناجيات/الناجين.

لعب الاتحاد الأوروبي - بقيادة دول مثل لوكسمبورغ وبلجيكا - دورا محوريا في الحصول على موافقة الجمعية العامة للأمم المتحدة على تأسيس المؤسسة المستقلة في حزيران/يونيو2023. تعد المؤسسة المستقلة هيئة رائدة وفريدة من نوعها. حيث انها تكمل عمل لجنة التحقيق التي تأسست في عام 2011 والآلية الدولية المحايدة والمستقلة التي أُنشئت في عام 2016. في حين تركز هذه المؤسسات على العدالة، فإن مهمتنا هي معرفة الحقيقة:"نريد الحقيقة".

منذ الثامن من كانون الأول/ديسمبر، قبل 51 يوما فقط، صدم العالم بجسامة وحشية انتهاكات حقوق الإنسان وانتهاكات القانون الدولي التي عانى منها السوريون لمدة 53 عاما في ظل النظام، بما في ذلك نحو 14 عاما من الحرب أو النزاع.

إن صور الاشخاص الذين خرجوا من السجون، والظروف الصعبة التي عانوا منها، والتعذيب الممنهج، واكتشاف المقابر الجماعية المعروفة وغير المعروفة على حد سواء، لا تقدم سوى لمحة عن حجم التحدي الماثل أمامنا.  وهذا، بالإضافة الى اختفاء الاشخاص في سياقات الهجرة والمفقودين نتيجة للعمليات العسكرية، يسلط الضوء على فداحة ما يجب أن يتعامل معه المجتمع الدولي.

إن البحث عن المفقودين ليس ضرورة أخلاقية وإنسانية فحسب، بل هو أيضا حجر الزاوية لإعادة بناء بلد جريح ومجتمع يرى الآن بصيصا من الأمل. الحقيقة والذاكرة ضروريتان لأي عملية تسعى الى إرساء أسس الهياكل الديمقراطية. هما أيضًا أساسيتان لأولئك الذين يفكرون في العودة إلى ديارهم، للبدء من جديد، ولإعادة بناء حياتهم. في نهاية المطاف، ان الحقيقة والعدالة والذاكرة يشكلون مسعا جماعيا. ولا يمكن لأحد أن يخوض هذه الرحلة بمفرده، ولا ينبغي لأحد أن يقوم بها بمفرده.

لكشف الحقيقة، يجب علينا أولاً تحديد من هم المفقودون.  مجرد وجود حالة فقدان واحدة تكفي لإثارة الاستنكار الجماعي، إلا أننا نعلم من العائلات أن الأعداد في سوريا مذهلة - على الأقل عشرات الآلاف، وربما أكثر من ذلك بكثير. ومع ذلك، وحتى اليوم، ما زلنا نفتقر إلى المعرفة الدقيقة حول من هم وما هو عددهم. أتت التقديرات التي وصلنا اليها من العمل الحيوي للمجتمع المدني على مدار السنوات الـ 13 الماضية.

تتمثل الولاية الاساسية للمؤسسة المستقلة في الإجابة على هذه الأسئلة: من اللذين نبحث عنهم؟ ومن هم؟

بالرّغم من انّنا نفتقر إلى الوضوح الكامل للسياقات والأسباب الكامنة وراء حالات الاختفاء هذه، بدأنا في فهم البعض منها. من المهم أن نؤكد أن ولايتنا هي البحث عن الجميع، بغضّ النظر عن ظروف اختفائهم: سواء كانوا ضحايا للاختفاء القسري، أو الاختطاف من قبل جهات غير حكومية، أو الاتجار بالبشر، أو التجنيد، أو سياقات الهجرة، أو الاحتجاز التعسفي، أو سيناريوهات أخرى. نحن نبحث عن الجميع، بغض النظر عن عرقهم أو دينهم أو جنسيتهم. اين هم؟ 

عندما تم إنشاء المؤسسة المستقلة، بدت إمكانية إجراء عمليات البحث داخل سوريا بعيدة. اليوم، تغير الواقع بشكل كبير، مما فتح مجالًا من الأمل، ولكنه أيضًا قدم تحديات كبيرة، أود أن أشارك بعضها معكم. تتطلب عملية البحث عن المفقودين مواردا بشرية ومالية ومادية، وتكنولوجية، وعلمية، وسياسية. كما أشار المفوض السامي لحقوق الإنسان بالأمس، يجب علينا الانتقال من الأقوال إلى الأفعال والاستثمار. يجب أن نعمل على كشف الحقيقة، وبناء واستعادة الذاكرة، ومساعدة السوريين على إعادة بناء بلدهم ومستقبلهم.

في دول مثل كولومبيا أو المكسيك، حيث تجري عمليات البحث عن أكثر من 100,000 مفقود، يوجد حوالي 500 و240 باحث على التوالي في آليات البحث الخاصة بهما. ومع ذلك، حتى هذه الأعداد غير كافية. نظرا للوضع المالي الحالي للأمم المتحدة، يمكننا فقط توسيع فريقنا ليشمل ما يزيد عن 30 عضوا على المدى القريب. في حين أن هذا الرقم ربما كان كافيا في ظل الظروف التي كانت سائدة قبل 8 كانون الأول/ديسمبر. إلا أنه الآن غير كاف على الإطلاق، حتى عند أخذ ولايتنا في التنسيق مع المؤسسات الأخرى في عين الاعتبار.

أعتزم السفر إلى سوريا في الأسابيع المقبلة لعرض ولايتنا الإنسانية إلى السلطات المؤقتة. أنا واثقة من أنه سيكون هناك انفتاح على التعاون.

لتلبية احتياجات الشعب السوري على المدى القريب والمتوسط والبعيد، نحتاج إلى التعاون الدولي. في هذا الصدد، أرى خمس مجالات رئيسية لهذا التعاون المشترك: 

  1. زيادة عدد موظفي المؤسسة المستقلة. في النهاية، سنطلب زيادة في الميزانية العادية لعام 2026، ولكن لا يمكننا تحمل الانتظار. نظرًا للتطورات العالمية الأخيرة، بما في ذلك النقاش حول رفع العقوبات عن سوريا، قد تكون هناك فرص لتحسين الوضع وسأعمل شخصيًا على تأمين تمويل تطوعي لتوسيع فريقنا. 

  2. تنسيق العمل مع خبراء الطب الشرعي والعلوم الجنائية الدوليين، الذين تتعاقد معهم الدول الأعضاء مباشرة وبالتنسيق من قبل المؤسسة المستقلة، جنبا إلى جنب مع الفرق الميدانية القائمة.

  3. التعاون مع الدول الأعضاء لتوفير الدعم النفسي للجاليات المهاجرة في دول الاستضافة. تمتلك الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي مؤسسات محلية وإقليمية يمكن أن تكون نقاط الاتصال الأولى لهذه الجاليات.

  4. الاستفادة من الموارد البشرية والمختبرات في الدول الأعضاء. العديد من دول الاتحاد الأوروبي لديها مهنيون ومؤسسات ذات مهارات عالية تمكنهم من دعم المراحل المختلفة لعملية البحث.

  5. إنشاء مكتب في دمشق بمجرد أن تسمح الظروف بذلك. لا يمكن أن تستمر عملية البحث دون وجود على الأرض. على الرغم من أن تحليل المعلومات يعد عنصرًا اساسيا، إلا أن التفاعل المباشر مع العائلات والسلطات والمجموعات المحلية امر أساسي. 

كما قال السيد مازن درويش، لا يوجد على الأرجح أي سوري ليس لديه أحد معارفه أو صديق أو قريب مفقود. هذا ديْن علينا جميعًا، على الإنسانية جمعاء. لا أستطيع أن أؤكد بما فيه الكفاية أن هذه المؤسسة تم إنشاؤها من قبل العائلات ومن اجل المجتمع السوري. لقد كانت المؤسسة المستقلة دائمًا مؤسسة انتقالية، تمهد الطريق لإنشاء مؤسسة هجينة أو وطنية عندما تسمح الظروف بذلك.

قبل بضعة أيام، اقتبست إيرين فاليخو عن ألبير كامو في تأمّلاته عن الأمل، مؤكدة على أهمية قبول الحقائق المؤلمة أولا. أود أن أضيف هنا أنه يجب علينا أولا معرفة تلك الحقائق - بغض النظر عن مدى عمقها وألمها وغضبها، كما هو الحال مع حالات الاختفاء - قبل أن نبدأ في تحويلها. كمجتمع دولي، لقد قطعنا خطوات كبيرة بالفعل: أولا، الاعتراف بالحاجة إلى مؤسسة مثل المؤسسة المستقلة ومن ثم إنشاؤها. ولكن يجب علينا الاستمرار في التقدم. إن البحث عن الحقيقة هو عملية ديناميكية.

صرخة "أين هم؟" هي التي أجبرت المجتمع الدولي على إنشاء هذه المؤسسة التي أتشرف بقيادتها.  واليوم، يجب أن تدفعنا هذه الصرخة نفسها إلى العمل الملموس بشكل سريع، مع التركيز على العائلات والمجتمع السوري في كل ما نقوم به.  إن الوقت هو جوهر المسألة. على الرغم من أن الرحلة القادمة لن تكون سهلة أو سريعة، إلا أن أمل الكثيرين، إلى جانب التزامنا الجماعي، سيوجه هذا الجهد نحو النجاح. وكما قال السيد مازن درويش للتو، لا يوجد خيار للفشل. 

في روايته "الموت عمل شاق"، وهي إحدى أعماله المبدعة، تأسف الكاتب السوري خالد خليفة على أن أحد أسوأ جوانب الحرب في بلاده كان أن " الاستثناء أصبح مألوفا، والمآسي أصبحت ببساطة أمرًا عاديًا". لدينا الفرصة والواجب لتغيير هذا الواقع.

كما قالت السيدة ياسمين مشعان للتو، فإن سوريا تهمنا جميعا، ونحن ملزمون بالسعي إلى الحقيقة والعدالة معا. نريد الحقيقة. 

شكرا جزيلًا

****

لمشاهدة البيان كاملاً، يرجى زيارة هذا الرابط.

للمشاركة على وسائل التواصل الاجتماعي: فيسبوك - لينكد إن