نيويورك، 12 حزيران/يونيو 2025
السيد رئيس الجمعية العامة،
المندوبون/ات الكرام،
أصحاب السعادة،
إلى كل من لديه/ا شخص مفقود في سوريا،
إنه لشرف لي أن أقدّم هذه الإحاطة غير الرسمية الأولى للجمعية العامة منذ أن توليتُ منصبي كأول رئيسة للمؤسسة المستقلة المعنية بالمفقودين في الجمهورية العربية السورية في كانون الثاني/يناير. ومن الجدير بالذكر والأهمية أن يكون معنا اليوم الوفد السوري الذي يمثّل سوريا الجديدة.
منذ عامين فقط، أنشأت هذه الجمعية مؤسسة فريدة من نوعها مكلفة بمبدأ أخلاقي أساسي: وهو الحقيقة لعائلات المفقودين من خلال البحث عن أحبائهم. نحن مدينون بذلك للعائلات - وخاصة النساء السوريات - التي أدت جهودهن الدؤوبة إلى جانب حلفاء آخرين من المجتمع المدني والدول الأعضاء بقيادة لوكسمبورغ إلى إنشاء هذه المؤسسة. وكما قالت لنا إحدى الأمهات السوريات،” لأول مرة تكون العائلات في قلب الحل“.
أقول لهم، إن نضالكم من أجل الحقيقة والعدالة، وصمودكم ومحبتكم لأحبّتكم ووطنكم، قد بعثت الأمل الذي يجب أن نتبناه جميعًا - كلنا معاً.
بعد سنوات طويلة من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والنزاع العنيف، تقف سوريا أمام أفق جديد. وفي حين أن التحديات لا تزال هائلة، فقد ظهرت فرص جديدة للبحث عن عشرات الآلاف من المفقودين والشروع معاً في البحث عن الحقيقة.
عندما زرتُ دمشق لأول مرة في شباط/ فبراير، كان الشعور بالأمل ملموساً، بما في ذلك بين العديد من عائلات المفقودين الذين التقيت بهم، وبعضهم مثل النساء في داريا، لم يكونوا يعلمون حتى بوجود عائلات أخرى خارج مجتمعاتهم قد تحرّكوا للبحث عن أحبائهم. كان من الواضح أن هذا الأمل يتعايش مع معاناة عميقة تواجهها الغالبية العظمى من السوريين الذين لديهم شخص مفقود من أقاربهم ويعيشون في ظروف هشة.
إن مصير المفقودين ليس أمراً محورياً بالنسبة للعائلات فحسب، بل بالنسبة للمجتمع السوري ككل. إن معالجة هذه القضية أمر ضروري لتحقيق المصالحة وبناء سلام مستدام. إن دعم العائلات ومشاركتها في توضيح مصير المفقودين ومكان وجودهم أمر لا غنى عنه من أجل التعافي المجتمعي.
إن تسارع الأحداث اليومية في سوريا أمر لا يمكن إنكاره، ويجب على المجتمع الدولي أن يرتقي إلى مستوى اللحظة ويتصرف بمسؤولية.
أصحاب السعادة،
إن بناء مؤسسة مكلفة بمهمة ضخمة للبحث عن آلاف الأشخاص ليس بالأمر السهل، ويستغرق وقتاً طويلاً. أعلم من خلال تجربتي الشخصية في العمل على البحث عن المفقودين، أن هذا الأمر يتطلب العديد من الخطوات. ويشمل ذلك إنشاء العمليات، وتنفيذ المنهجيات، والتنسيق مع جميع أصحاب المصلحة المعنيين، وتلقي المعلومات واستيعابها، وتعزيز الثقة مع العائلات والمجتمع المدني والسلطات والمجتمع السوري بأكمله.
في العام الماضي، اتخذت المؤسسة المستقلة خطوات مهمة للبدء في بناء هذه الركائز. فقمنا بتعيين موظفين تقنيين، وصياغة النصوص التوجيهية والخطط، ورسم خرائط للجهات الفاعلة والأحداث والمواقع، وإجراء تحليل للسياق وخطوط التقصي الضرورية للبحث عن الحقيقة. وقد أنشأنا مركز بيانات آمن ومنصة تحليل، مع استكمالها بإطار قانوني لمعالجة المعلومات. وبالطبع، استثمرنا في التكنولوجيا المتقدمة لعمليات البحث؛ وأنشأنا سجلًا. ومنذ تعييني، أقمنا شراكة بنّاءة مع السلطات المؤقتة وقمنا بالعديد من المهام في سوريا: وهو أمر لم يكن من الممكن تصوره قبل كانون الأول/ديسمبر.
تُعدّ المعلومات عنصرًا أساسيًا في عملية البحث عن المفقودين، حيث إن الحاجة إلى تدفقها يعد أمرًا ضروريًا من أجل فتح الطرق لمعرفة مكان وجود آلاف المفقودين. قد يبدو هذا الأمر بديهيًا، إلا أنهمن أكبر التحديات التي تواجه أولئك الذين يبحثون عن المفقودين، ليس فقط في سوريا، بل على مستوى العالم. نحن نتعاون مع منظمات وطنية ودولية للوصول إلى هذه المعلومات وتوحيدها وتبادلها أو ربطها ببعضها البعض.
أتوجّه بالشكر إلى منظمات المجتمع المدني السورية والدولية، وإلى مجموعات الضحايا، على مشاركتهم وثائقهم القيّمة. كما أشكر المنظمات الدولية على التزامها بتعزيز اتفاقيات تبادل البيانات بما يتماشى مع ولاياتها. إن تعاوننا هذا يضع مبدأ عدم الازدواجية موضع التنفيذ، وذلك لمصلحة العائلات. ونهدف إلى توسيع نطاق هذه الاتفاقيات، مع الدول الأعضاء، بما في ذلك سوريا. كما أشكر كل من شارك قصته/ا معنا. شكراً.
كلما زادت المعلومات التي نجمعها، زادت فرص العثور على المفقودين. إن مقارنة قواعد البيانات أمر أساسي للبحث عن الجميع في نفس الوقت. إن الفهم الدقيق للسياق يُمّكننا من فتح خطوط أوسع للتحقيق في حالات الاختفاء المتعددة. لقد بدأنا تحقيقات في الأطفال المفقودين، والمختفين قسراً من قبل النظام السابق، وطالبي اللجوء المفقودين.
أود أن أوضح أنه في الوقت الحالي، نحن نقوم بجمع المعلومات التي من شأنها أن تمكننا من فتح خطوط تحقيق أخرى محتملة، بما في ذلك الأشخاص المفقودين الذين اختفوا على يد داعش. ومع ذلك، فإن فتح خط تحقيق معين لا يعني أننا لا نبحث عن الجميع طوال الوقت. على العكس، فإن ولايتنا والتزامنا - هو البحث عن جميع المفقودين دون استثناء.
المبدأ الأول لعملية البحث عن المفقودين هو الافتراض بأنهم على قيد الحياة. ولكن وللأسف ، في حال لم يكونوا على قيد الحياة، فمن الضروري تحديد هويتهم وإعادة رفاتهم إلى أحبائهم بطريقة تكفل الحفاظ على كرامتهم. تقدم التجارب المقارنة والدولية دروساً إيجابية وسلبية على حد سواء في تدخلات الطب الشرعي التي يمكن أن تستفيد منها سوريا بشكل كبير ، وسوف نضمن حدوث ذلك.
مع إمكانية الوصول إلى البلاد مؤخرا، من الضروري العمل مع جميع أصحاب المصلحة المعنيين - وبعضهم موجود بالفعل في الميدان - وذلك من خلال منهجيات محددة. وفي الوقت ذاته، يجب علينا تعزيز القدرات الوطنية، بما في ذلك البنية التحتية والموارد البشرية. إن المشاركة الفعلية للعائلات والمجتمع المدني في عملية البحث عن المفقودين، يقع في صميم ولايتنا، ونحن على تواصل يومي معهم. في الشهر الماضي، أصدرنا طلب تقديم الترشيحات لأول مجلس استشاري للمؤسسة، وهي إحدى الطرق الأساسية العديدة التي نستخدمها لضمان المشاركة الفعالة للعائلات والمجتمع المدني. وأتطلّع إلى بدء العمل مع أعضاء هذا المجلس.
نحن نعمل على تطوير استراتيجية دعم شاملة للعائلات تُراعي الواقع المتغيّر داخل سوريا وعبر الحدود. وتتضمّن هذه الاستراتيجية رسم خريطة لمقدّمي الخدمات للمساعدة في إنشاء نظام إحالة يستجيب لاحتياجات الأسر.
نحن نعمل على الوصول إلى كل شخص لديه مفقود في سوريا.
يجب أن تكون عملية البحث عن المفقودين بقيادة سورية، وبدعم دولي.
منذ تعييني في هذا المنصب، أجريت عدة لقاءات في دمشق وبروكسل ونيويورك مع سعادة وزير الخارجية والمغتربين السيد أسعد الشيباني. وبناءً على طلبه، قمنا بتقديم وثيقة مشروع أولية تحدد دورنا وتعاوننا المحتمل مع الجهود السورية، الأمر الذي سهّل إجراء مناقشات بناءة.
صدر مؤخراً مرسوم رئاسي بإنشاء الهيئة الوطنية للمفقودين - وهو ما رحبنا به على الفور - مع تكليفها بالبحث عن المفقودين والمختفين قسراً وتوضيح مصيرهم وتقديم الدعم القانوني والإنساني لعائلاتهم. لقد كنت على اتصال مع الدكتور محمد رضى جلخي، رئيس الهيئة، واتفقنا على أن نعمل معًا مع جميع الجهات الفاعلة ذات الصلة.
إن أحد العناصر الأساسية لتنفيذ ولايتنا وتعزيز التعاون هو إقامة وجود لنا في سوريا ونقل موظفين إلى هناك وتعيين موظفين سوريين/ات. لقد تقدمنا بالفعل بطلب رسمي، وآمل أن تتقدم مناقشاتنا مع السلطات بسرعة.
نتعاون بشكل وثيق مع الجهات الفاعلة والمعنية بسوريا ضمن الأمم المتحدة، ونستفيد من مشورتها ودعمها، بما في ذلك مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان، ومكتب المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا.
مؤخراً، لقد أحرزنا تقدما في المناقشات مع العديد من أصحاب المصلحة الدوليين المعنيين الذين يركزون على قضية الأشخاص المفقودين. وتمثل خبرتهم الطويلة رصيدًا مهمًا يجب أن يكون جزءًا من استجابتنا الجماعية. هناك حاجة إلى تعددية الأطراف، داخل المجتمع الدولي والمنظمات الدولية أكثر من أي وقت مضى.
هناك أمر واضح لا جدال فيه: وهو أنه لا يمكن لأي أحد أن يعالج بمفرده أزمة المفقودين، ويجب أن يكون السوريون هم من يقودون هذه العملية، بينما نقف إلى جانبهم لدعمهم. وأنا على قناعة بأن المؤسسة المستقلة لها دور مهم في مساعدة الجميع على تقديم معارفهم وخبراتهم الخاصة والعمل معًا لدعم الجهود الوطنية.
أود أن أشدد على الأهمية المستمرة للدعوة الواردة في قرار الجمعية العامة والأمين العام للأمم المتحدة لجميع الدول الأعضاء، بالتعاون الكامل مع المؤسسة المستقلة، بما يتماشى مع التزاماتها بموجب القانون الدولي.
إن البحث عن المفقودين في سوريا هو بالفعل مسعى عالمي. فهو يتجاوز حدود سوريا والجهات الفاعلة الإقليمية التي أبدت التزامها بالفعل. وهو يتعلق بأشخاص من جنسيات عديدة. ويظل واجباً إنسانياً أساسياً بالنسبة لنا جميعاً.
السيد الرئيس،
يجري بناء المؤسسة المستقلة ليس فقط في ظل واقع متغير جذرياً في سوريا والمنطقة، بل أيضاً في سياق الوضع المالي للأمم المتحدة.
وعلى ضوء هذه الخلفية، تعمل المؤسسة على تحسين هيكلها لتعزيز الكفاءة ومواءمة الموارد مع الأولويات البرامجية بشكل أفضل. ويشمل ذلك السعي إلى إعادة النقل الجغرافي لمعظم الوظائف، ويُفضّل أن يكون ذلك في دمشق، ريثما تتم الموافقة من السلطات.
رغم الجهود المبذولة للتقليل من تأثير قيود السيولة على تنفيذ ولاية المؤسسة، تم تأجيل بعض الأنشطة، ولم يتم شغل سوى 30 وظيفة من أصل 45 وظيفة معتمدة حتى الآن.
لقد أنشأنا صندوقاً اتئتمانياً في نيسان/أبريل لدعم المبادرات الاستراتيجية من خلال المساهمات الطوعية، ليتيح مزيداً من المرونة والدعم الموجه. ونشكر حكومة ألمانيا ، وهي أول دولة تبرعت للصندوق الائتماني، وندعو الدول الأعضاء الأخرى إلى النظر في تقديم مساهمات إضافية في لحظة حاسمة بالنسبة للمؤسسة المستقلة ولسوريا.
السيد الرئيس،
نشهد اليوم نشوء سوريا جديدة.
تُدرك المؤسسة المستقلة تمامًا هذا التغيير الهائل، ونعلم أنه علينا أن نتأقلم بسرعة مع هذا التغيير الهائل. فالوقت هو جوهر المسألة في عملية البحث عن المفقودين.
قبل أربعين عاماً، كتبت إكرام أنطاكي الشاعرة السورية المنفية في بلدي، المكسيك، "أن ثمة وقتاً تبدأ فيه المرأة في التشابه في رحلتها في الحياة أكثر من تشابه الماء بالماء". ويمكن قول الشيء نفسه عن البلدان. يمكن لسوريا أن تصبح نموذجاً للبحث عن المفقودين. للسوريين كل الحق في أن يتوقعوا تقدمًاً حقيقياً وأن يطالبوا بإجابات. ولهم أيضاً الحق في بناء سوريا جديدة لجميع السوريين.
خلال الأشهر الماضية، شاهدتُ بنفسي كيف يمكن لعملنا أن يساعد في استعادة ثقة السوريين بالمجتمع الدولي، خاصة وأن المؤسسة المستقلة قد تم إنشاؤها من قبلهم ومن أجلهم ، مع الجمعية العامة. يجب أن نستمر في بناء الثقة مع جميع أصحاب المصلحة الوطنيين لتطوير القدرات المحلية، بدعم دولي، باحترام وتعاون. ويجب أن نعمل في الميدان يداً بيد مع السوريين.
إذا نجحنا في هذه العملية ذات القيادة الوطنية وبدعم دولي - وأؤكد لكم بأننا سنبذل قصارى جهدنا لتحقيق ذلك - سنكون قادرين على إيصال الحقيقة للسوريين، وسنظهر للعالم أنه حتى في اللحظات الصعبة يمكننا تقديم إجابات ملموسة.
من الحماس المحلي والأحلام، من الخيال في شوارع حمص، أو القامشلي، أو حلب، أو السويداء، أو إدلب، أو دمشق، آمل أن تتمكن المؤسسة المستقلة من بناء الجسور بين الجميع، باسم أولئك الذين سنواصل البحث عنهم.
وكما يقول المثل العربي: ”طريق الألف ميل يبدأ بخطوة،“ وقد خطونا هذه الخطوة.
شكراً لكم